كما ترون، كان أهم شيء بالنسبة لي هو استحضار تجربة الانسجام بين الطبيعة البشرية وبنية الكون. إذا كنتم متابعين حقًا حتى الآن، فلا يُمكنكم اعتبار هذا الانسجام خطيئةً بحق روح العلم. (من المحاضرة ١٦)
ما هي العلاقة بين الإنسان وعالم النجوم؟ هل يُمكننا فهم بنية الأجرام السماوية وحركتها من خلال الرياضيات المتقدمة فحسب، أم أن هناك في الواقع نقطةً لا تعود بعدها الدوال الرياضية صالحةً للتطبيق؟ هل يُمكننا، في الواقع، تجاوز حدود الفضاء ثلاثي الأبعاد من خلال تفكيرنا؟
في ثماني عشرة محاضرة شيقة من بداية عام ١٩٢١، يغوص رودولف شتاينر بعمق وشجاعة، وإن كان ذلك بعناية، في هذه الأسئلة العميقة وغيرها. استنتاجاته وإشاراته لمزيد من البحث آسرة ومحفزة، وربما ثورية في دلالاتها.
لا يتناول موضوع هذه المحاضرات علم الفلك بالمعنى الواسع، بل علاقة علم الفلك بمجالات العلوم الطبيعية الأخرى. وكما يفعل في محاضرات أخرى، يؤكد شتاينر أن التخصص الصارم السائد في المساعي العلمية لن يقربنا من فهم متكامل وواضح لواقع عالمنا. وعلى وجه الخصوص، لن يتسنى فهم آليات الكون فهمًا صحيحًا إلا بعد أن يُعترف بمرآته، أي دراسة علم الأجنة البشرية، على هذا الأساس، ويُستوعب مع وضع هذه العلاقة التأملية في الاعتبار.
مرة أخرى يثبت شتاينر أنه معلق فريد من نوعه وماهر على التاريخ العلمي والفكري، فضلاً عن كونه نورًا حيًا يضيء طريقًا محتملًا للتقدم البشري ومعرفة الذات.